الحمد لله تعالى الذي علا في سماواته . الذي جعل الموت والحياة آية من آياته والصلاة والسلام على محمد سيد البَريَّات . وصاحب المعجزات الباهرات. وعلى آله وأصحابه ألوية الصدق، ونسيم الأنفس الزاكيات .
وبعد أخي المسلم: رووا أن أعرابياً كان يسير على جمل له، فخر الجمل ميتا فنزل الأعرابي عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ! ويقول : مالَكَ لا تَقُوم؟! مالَكَ لا تَنْبَعثُ؟!
هذه أعضاؤك كاملة وجوارحك سالمة ما شأنك؟! ما الذي كان يحملك ؟! ما الذي كان يبعثك؟! ما الذي صَرَعك؟! ما الذي عن الحركة مَنَعكَ؟!
ثم تركه وانصرف متفكراً في شأنه! أخي: إنه (الموت!) مهلك العباد .. وموحش البلاد .. وميتم الأولاد.. ومذل الجبابرة الشداد ...
لا يعرف الصغير .. ولا يميز بين الوضيع والوزير ... ولا يحابي صاحب المنصب الكبير . .
سيوفه على العباد مصلتة . ورماحه على صدورهم وسهامه لا تطيش عن الأفئدة ...
خبرٌ عَلِمْنَا كلنا بمكانه وكأننا في حالنا لم نَعْلَم أخي: إنه (الموت!) كم فرح من قلوب .. وكم أوقع من كروب .. أبشع من أن يُوصف! وأشد من أن يُعرف ! سره مطوي من الخلائق . . لا يعلمه إلا كاشف الضر والبوائق .. تبارك وتعالى وتنزه من خالق ... أخي: كأس الموت أمرُّ من الحنظل ! لا يعرف طعمها إلا من ذاقها وأنَّى لمن ذاقها أن يصفها على حقيقتها؟! لما نزل الموت بعمرو بن العاص (رضي الله عنه قال له ابنه يا أبتِ قد كنت تقولُ : إنّي لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه ؟! أخي يا حَرَّ قلب علم أن له يوماً يتجرع فيه مرارة تلك الكأس ! أخي ألا قلت معي بقلب صادق : اللهم هون علينا سكرات الموت يوم تُطْوَى صَحائفنا ! وتنقضي أيامنا ! برحمتك
فقال: يا بُنَيَّ الموت أعظم من أن يُوصف ! ولكن سأصف
لك منه شيئاً : والله لكأنَّ على كتفى جبال رضوى وتهامة ! وكأني أتنفس من سَمّ إبرة ولكأنَّ في جوفي شوكة عوسج ! ولكأنَّ السَّماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما!